بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
،،
وصلتني رساله على الخاص من إحدى الأخوات جزاها الله خيراً ..~
وهذا نصها ..~
حينما دخلت قسم الاناشيد سمعت العديد من الاناشيد التي مليئه بالايقاعات و المؤثرات
والاكيد لا يخفى عليكم حكمها كما ورد في اقوال اهل العلم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعـــد
للجواب عن هذه القضية جانبان شرعيّ ، وتربويّ :
كما ورد في قول بعض العلماء
حُكم الأناشيد بالمؤثرات الصوتية
كتبه / د. عصام بن عبدالمحسن الحميدان
الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية والعربية
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران
أولاً : الجانب الشرعي : إن الاستماع إلى الآلات الموسيقية عدّه جمهور علماء السلف
الصالح من اللهو المنهي عنه بقوله تعالى ) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ
لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) ( لقمان:6 ) ،
وقوله صلى الله عليه وسلّم " كل لهوٍ يلهو به الرجل فهو باطل إلا ثلاثة ... " رواه
وبأقوال وردت عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
وعارضهم آخرون من القدماء والمحدثين بأن اللهو المنهي عنه ما كان يصدّ عن سبيل
الله بنصّ الآية ، وبأن الأصل في الأشياء الإباحة ، وبما ورد أن النبي صلى الله عليه
وسلم استمع إلى غناء جوارٍ – وهما تضربان بالدفّ - في مناسبة ، وبأن امرأةً نذرت
أن تضرب بالدفّ في فرح ، فأمرها بالوفاء بنذرها ، وبما ورد أن بعض الصحابة
رضي الله عنهم كان يستمع للغناء بالآلات الموجودة آنذاك .
ولكلٍّ من أنصار الفريقين ردود ومناقشات للقول الآخر ، وترجيحات قابلة للنظر .
ومن هنا يتبين أن مسألة الاستماع للغناء واللهو من مسائل الفروع المختلف فيها ،
والتي لا تدخل في مسائل الإجماع المتفق عليها .
ويتفق الفريقان على أن الغناء يصبح حراماً إذا استخدم في الصدّ عن سبيل الله ، أو
الاستهزاء بآيات الله ، أو شرعه ، أو المؤمنين ، أو يتضمن الفحش والفجور ،
والدعوة للدعارة ، أو الاختلاط بين الرجال والنساء ، أو صور الفاتنات ، أو الرقص
المختلط ، أو الاستماع للمرأة جميلة الصوت من قبل الرجال بألفاظ الغزل .
بقي أن نعرف هل سبب التحريم في الغناء هو الصوت الحسن ، أم الكلام ، أم الآلة
المستعملة .
الحقيقة أن الصوت الحسن لا يستطيع أحدٌ تحريمه ، لأنه هبةٌ من الله تعالى ، ومأمور
بإظهاره في بعض الحالات كالتغني بالقرآن الكريم ، فإذا اقترن به ما يمنع منه كأن
يستخدم في الفحش أو الفتنة ، كقوله تعالى ( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه
مرض ) فيحرم حينئذ .
وهذا الاقتران لا يختصّ بالصوت وحده ، بل يشمل كل تصرفٍ إنساني ، كالمشي ،
والإشارة باليد أو بالعين ، وغير ذلك ، فالأصل في هذه الأشياء الإباحة ، وتجب في
حالات وتحرم في أخرى .
فثبت أن الصوت الحسن لا يحرم لذاته ، وقد كان أنجشة يحدو بين يدي النبي صلى الله
عليه وسلم ، أي يتغنى ببعض الكلام ، ولم ينكر عليه .
والحقيقة الثانية أن الكلام المنظوم لا يستطيع أحدٌ تحريمه لذاته؛ لأنه شعر ، والشعر
كان ينشد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره ، بل كان يأمر به أحياناً كما
كان يأمر حسان بالشعر ، وحتى الشعر الغزلي كان ينشد بين يدي النبي صلى الله عليه
وسلم ، كقول كعب رضي الله عنه : بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ، ولم ينكر عليه
النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو من الغزل العفيف .
ولكن الشعر يحرم إذا استخدم فيما نهى الله عنه ، كالصوت تماماً ، فثبت أن الكلام
المنظوم لا يحرم لذاته .
وبقي القول في الآلات الموسيقية .
وهنا نجد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون
الحر والحرير والخمر والمعازف " رواه البخاري عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري
رضي الله عنه .
فقرن المعازف بالخمر والزنا المجمع على تحريمهما ، وأكّد ذلك بقوله " يستحلُّون "
مما يدلّ على سبق التحريم .( انظر أدلة التحريم وترجيحها على أدلة المخالفين في :
حكم ممارسة الفنّ في الشريعة الإسلامية لصالح الغزالي : 187 ، وهي رسالة علمية
للماجستير أشرف عليها د. عابد السفياني وناقشها د. صالح بن عبدالله بن حميد ود.
سليمان التويجري ، وأجيزت بتقدير " ممتاز " )
ونظراً لأن التحريم لا يمكن أن يتوجه إلى الصوت أو الكلام ؛ لما ذكرته سابقاً ، فيبقى
التحريم منصباً في هذا الحديث وغيره على ذات المعازف ، وهي الآلات الموسيقية .
فمتى صاحب الأغنية آلات موسيقية حرمت ، وإن لم تصحبها آلات فهي كلام ، قد يحلّ
وقد يحرم بحسب ما يتضمنه ، وما يقترن به مما ذكرته آنفاً .
مع العلم أن بعض العلماء ذكر مبررات أخرى لتحريم الغناء غير هذه ، لكنها لا تنهض
للمناقشة .
بعد هذه المقدمة - التي أراها ضرورية – عن حكم الأغاني ، يتساءل القارئ : ما علاقة
هذا الشرح بالأناشيد الإسلامية المصحوبة بالمؤثرات الصوتية ؟
أقول : إن العلاقة قوية جداً ، بل لعل بعض القراء فهموا الجواب مما تقدم ، ومن لم
يتضح له الجواب أزيد فأقول :
لا شك أن الأناشيد الإسلامية لا يمكن القول بتحريمها إذا خلت عن المؤثرات الصوتية
الشبيهة بالموسيقى ؛ لأنها كلامٌ حسن مؤدَّى بتنغيم ، وهو جائز ؛ لأن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يستمع لمثله أحياناً ، ولا ينكره ، ولكنه بلا شك ليس خيراً من ا لاستماع
للقرآن الكريم ، وليس بديلاً عنه ،إلا أنه – الاستماع للأناشيد الإسلامية - يفيد في
الترويح عن النفس ، وشحذ الهمم للطاعات .
فإن صاحبت المؤثرات الصوتية الشبيهة بالموسيقى هذه الأناشيد الإسلامية ، حرمت
هذه الأناشيد ؛ لما تقدم من تحريم المعازف .
فإن كانت هذه المؤثرات ليست شبيهة بالموسيقى ، ولا يحصل بها الترنُّم ، كأصوات
السيارات، وسقوط الأشياء ، وكسر الزجاج ، فلا مانع منها .
وأما الدفّ فالخلاف فيه معروف ، وحكم المؤثرات الصوتية الشبيهة بصوته كحكمه
سواء بسواء .
ثانياً : الجانب التربوي :
يجب أن يتساءل الشابّ قبل أن يستمع للأناشيد المصحوبة بالمؤثرات الصوتية
الشبيهة بالموسيقى بينه وبين نفسه :
* هل هذه الأناشيد والاستماع إليها بكثرة يزيد الإيمان أو ينقصه ؟ وهل كان قبل
استماعه إليها أكثر إقبالاً على العبادة ، أم الآن ؟ أم لم يتغير ؟
* هل يحسّ إذا استمع إليها برغبة أن يهزّ رأسه ويحرِّك يديه تجاوباً مع أنغامها ؟ أو
هو يفعل ذلك أصلاً .
* هل كمية استماعه للقرآن الكريم ككمية استماعه للأناشيد ؟
* هل هذه الأناشيد تزيد من حماسه للطاعات ، وتزوِّده بمفاهيم إسلامية ، أم هي
للتسلية فقط دون فائدة تذكر ؟
* هل لدى الشابّ قناعة كافية بحل هذه الأناشيد ، أم فيها شبهة تستوجب الحذر منها ؟
أرجو من كل شابٍّ يستمع لهذه الأناشيد أن يجيب على هذه التساؤلات ، إضافة للاطلاع
على الحكم الشرعي فيها .
تعقيبان قد يثيرهما بعض الشباب :
الأول : هذه المؤثرات ليست معازف ، بل هي أصوات بشرية أو صناعية ، يتحكّم فيها
عن طريق الكمبيوتر .
الجواب: العبرة في تحريم المعازف هو الاستماع لها ، ووصول صوتها إلى أذنيه ؛ لأن
المعازف وسيلة للعزف ، وإنما يستفيد المستمع من الاستماع إليها والترنُّم بصوتها ، لا
من النظر إليها ، ومعرفة نوعها .
ألا ترى أن الناس يترنمون بتشغيل المسجِّل والاستماع له ، وهم لا يعرفون نوع الآلات
المستخدمة . بل لو شغَّلت مسجِّلاً بمؤثرات صوتية على وزن الموسيقى لم يفرق الناس
بينها وبين صوت الآلات الموسيقية .
فإذا كان التحريم معلقاً على الاستماع ، فمتى حصل هذا الاستماع – سواء كان بآلة
موسيقية ، أو بكمبيوتر ، أو بغيرهما – وُجِد التحريم ، وإن كان أصل الصوت بشرياً ،
ثم عدِّل وغيِّر وخضع للتحكُّم .
بل حتى الصوت البشري المجرَّد الخالي من التغيير إن خشي منه الفتنة يمنع منه سداً
للذريعة ، كما قلت في استماع الرجال للمرأة جميلة الصوت .
وبذا يتضح تحريم الاستماع للمؤثرات الصوتية الشبيهة بالموسيقى ، سواء أدخلت مع
الأناشيد الإسلامية ، أو كانت خلفيات صوتية لكلامٍ عاديّ ، أو لم تدخل مع أحدهما .
الثاني : إذا حرَّمنا هذا النوع من الأناشيد على المتديِّنين فلا بدّ أن نستثني المنشدين
من التحريم؛ لأنهم يُنشِدون لغير المتديِّنين فيريدون أن يؤلفوا قلوبهم على الدين ،
ويتدرَّجوا بهم من سماع الأغاني إلى سماع الأناشيد بالمؤثرات ثم سماع الأناشيد بغير
مؤثرات .
الجواب : إذا كان الغرض من النشيد ما ذُكِر فلا مانع من إنشاده ولو كان أصله محرَّماً
، كالخمر والنبيذ يتدرَّج فيهما مع المدمِن حتى يتركهما بالكلية ، ولا يؤثر هذا على أصل
الحكم ، ولكن ينبغي أن ينتبه إلى أن هذه حالة خاصة تقدَّر بقدرها فلا تستعمل فيما يزيد
على ذلك ، وينبغي أن ينتبه إلى أن التائبين ليسوا على مستوى واحد في قوة الإقبال
على الله ،فربما كان بعضهم يناسبه أن ينسى الأغاني والنشيد والشعر كله ، وينشغل
بالقرآن الكريم ، وعنده قوةٌ على ذلك .
وربما كان بعضهم متعلِّقاً بالأغاني لا يستطيع تركها فجأة ، فينظر في وضعه بحسب ما
يضمن له بإذن الله الثبات .
هذا ما تيسَّر لديّ ، والله الميسِّر لكل الأمور ، وهو الهادي إلى سواء السبيل ، والله
تعالى أعلى وأعلم وأحكم ..~
وبالرد الآخر سوف أنزل بعض الفتاوى الوارده في حكم مثل تلك الأناشيد ..~