تخيل لو أن مجموعة من علماء الأزهر
أو عددا من أعضاء هيئة كبار العلماء
في السعودية جمعتهم مناسبة أخوية فتقاذفوا
بينهم بقشور البطيخ وأصواتهم تتعالى
بالضحك والتعليقات، لا أتصور أن هذا
سيكون مقبولا لدى بعض العامة والخاصة،
مع أنه ثبت في الصحيح أن مجموعة الصحابة
كانوا يتبادحون (أي يتقاذفون) بقشور البطيخ، وغير ذلك.
تذكرت هذه الفرضيات والسيناريوهات،
وأنا أقرأ كتيبا لطيفا عن عالم اشتهر
بتسامحه اللافت وتواضعه الجم وتلطفه
مع العامة، خاصة أن زمنه شهد تشدداً
وصل لدرجة الجدل حول حرمة جهاز
الراديو ووصف مقتنيه بالديُّوث،
وأن جهاز الاتصال اللاسلكي «البرقية»
حرام في الوقت الذي طال فيه الجدل حول
القول بحرمة استخدام الميكرفون في المساجد،
كانت منطقة نجد في تلك الأيام محسوبة
على القرن العشرين لكنها تعيش بنمط القبائل
العربية في عصر صدر الإسلام .
في هذه الأجواء التي كانت تعم وسط السعودية
المتوقدة بالحماسة والغيرة على الدين
والتشدد في عدم توسيع منطقة المباح
وندرة انفتاحها على العالم الخارجي
كان هذا الشيخ العلامة يلتقط في القصيم
علبة دخان سقطت من عامل ليناولها له،
فامتقع وجه العامل من هيبة الشيخ،
إلا أن المسكين تمالك نفسه وظن أن
الشيخ لم يعلم عن محتوى العلبة، فاستدرك
وقال بل أعرف إن فيها دخانا،
وإنه لو أتلفها بدعوى حرمتها لاقتطع
ثمنها هذا العامل الفقير من قوت عياله ليشتري
علبة أخرى فتصبح أسرته المسكينة المتضرِّرَ الأكبَرَ.
هذه بعض من قصص هذا العالم العابد الزاهد
الذي تكاملت شخصيته وازدانت بالتسامح
والرفق بالعصاة والمخالفين والتبسط اللافت
مع عامة الناس قبل خاصتهم حتى صار
علامة فارقة في زمن أصبحت فيه بعض المباحات
في قائمة المنكرات، وبعض المكروهات في قائمة الموبقات.
هذه الفجوة والجفوة بين العلماء والعامة لا نعرفها
إلا في الأزمان المتأخرة، ولذا نحن بحاجة إلى استنساخ
نموذج لعلامة نجد وشيخ التسامح ورمز التيسير،
وإن شئتم مزيدا من روائعه فاقرأوا كتاب
«مواقف اجتماعية من حياة الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي» لابنه محمد ومساعد السعدي.
أعجـــــــبني فتقــــــــــــلتـــــه لكم للفــــــــائدة لكم التحية ،،