بسم الله الرحمن الرحيم
أيها المصلحون ضاق بنا العيش *****ولم تحسنوا عليه القياما
وغدا القوت كالياقوت حتى *** ******* نوى الفقير الصياما!
البيتان للشاعر/ حافظ إبراهيم يعبر عن تضجره من غلاء الأسعار. والغلاء بلاء يرسله الله تعالى على من يشاء من عباده , ومهما قيل من أسباب مثل جشع التجار وانعدام الرقابة و التضخم والفساد ونحو ذلك فلا يشك مسلم صادق في أن ماذكر أسباب ظاهرية وأن سببه الرئيس ذنوبنا و معاصينا وهي من أشد الأسباب التي أظهرت هذا الوباء العظيم، ومعلوم أن الذنوب تسبب هلاك الحرث والنسل، وتسبب انتشار الفساد في البر والبحر، قال تعالى:[ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ](الروم:41)، وقوله:[وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ](الشورى:30)، والله تعالى يبتلي عباده ببعض ما كسبت أيديهم لكي ينتبهوا ويراجعوا أنفسهم، وقال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر المهاجرين خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم" (رواه البيهقي والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 7978)،
ومن يلاحظ انتشار المعاصي في المجتمع بل والسعي لشرعنة كثير منها وإلباسها لباسا شرعيا ,كالتهاون بأركان الإسلام , والربا , والظلم , والاختلاط , وفتح المجال للزنادقة للطعن في دين الله تحت ستار حرية الرأي , ودخول القنوات المحاربة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم بيوت كثير من المسلمين ونحو ذلك لا يستغرب أبدا حلول العقوبات من الله تعالى , والغلاء أحدها .
والطريق الرئيس لرفع هذا البلاء وغيره هو في الرجوع إلى الله تعالى ولا طريق سوى ذلك أبدا , ومهما اقترح من الحلول فلن تنفع ما لم يسبقها عمل الطاعات وترك المعاصي قال تعالى : ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) وقال أيضا : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب )
وبدون الرجوع إلى الله تعالى ستزداد مصائبنا وينطبق علينا قول الشاعر :
ومن العجائب والعجائب جمة ***قرب الشفاء وما إليه وصول
كالعيس في البيداء يقتلها الظما* والماء فوق ظهورها محمول
تنبيه هام دفعا لسوء الفهم :
ما سبق ذكره لا يعني عدم مطالبة وزارة التجارة وغيرها من الجهات المسؤولة بالسعي لحل مشكلة الغلاء , وإنما الهدف بيان أن أي خطوات تتخذ لمحاربة الغلاء دون أن يرافقها رجوع من الناس إلى الله تعالى لن تثمر عن فائدة ذات قيمة .